الدكتور مصطفى صابر .. واللحن الذي لم يكتمل جمهور كركوكلي حملت الينا الأخبار قبل أيام نبأ وفاة الانسان الطيب، والطبيب النطاسي البارع، والفنان الأديب، المرحوم مصطفى صابر، بعد صراع مديد مع المرض ، ورأيت أن أدوّن ههنا، بعضا من ذكرياتي مع المرحوم ( وما اكثرها ) اذ تمتد علاقتي به الى أكثر من أربعة عقود من الزمن . جمعتنا معا جلسة أدبية في داره العامرة ، عند بواكير مشواري مع الشعر والادب والصحافة ، وأراد المرحوم ان يتعرف علي عن كثب ، وكان اللقاء الأول الذي تم في تلك الجلسة الأدبية، التي سرعان ما تحولت الى جلسة سمر وغناء وشعر ، كان هو فارسها بلا منازع ، يعزف على عوده ، تارة ، ويغني بصوته الرخيم الهاديء تارة أخرى ، يشاركه في العزف على الة القانون ، شقيقه ، المرحوم الدكتور صبحي ، ولا غرابة في ذلك ، فكلاهما سليلا اسرة اشتهرت بالادب والفن ، ونهلا معا من نبع تلك الاسرة المعروفة، للقاصي والداني من اهل كركوك ، بأنها أنجبت فطاحل قراء المقام ، ويكفي أن نذكر القاريء الفذ الملا طه (رحمه الله )، وشقيقه أشهر قراء كركوك الملا صابر ( طيب الله ثراه )، والد المرحومين الدكتور مصطفى والدكتور صبحي ، والمتوفى في 20/12/1941 . والى جانب حبه للأدب والفن ومشاركته أشقائه وشقيقاته في وضع اللبنات الأولى للإذاعة التركمانية عند افتتاحها في الأول من شباط عام 1959 ،حيث سجلوا معا أول اغنية جماعية هي اغنية ( صونامز كّولده قادي ) ، و كان المرحوم الدكتور مصطفى صابر ، من مشاهير أطباء كركوك وله باعه الطويل وشهرته الواسعة في مجال الطب ،فهو من خريجي جامعة طب إسطنبول سنة 1956 ، وعمل لفترة طويلة في مدينة تلعفر وحاز على حب واحترام أهلها ، لدماثة خلقه ، وحسن تعامله ، مع مرضاه ومراجعيه ، فهو البشوش ابداً والمبتسم دائماً ، لا يمّله جليسه ، ولا يرتوي محدّثه من معسول كلامه ولطف معشره ، كان همه أسعاد الاخرين ، وإدخال البهجة في نفوسهم ، خصوصا مرضاه ، مع الإشارة الى انه رحمه الله لم يكن يتقاضى اجرا من اكثر مراجعيه ، وكانت عيادته بمثابة واحة للفقراء والمعوزين ، فالمادة عنده تاتي في اخر القائمة ، المهم عنده ان يكون سببا في اسعاد الاخرين . في عام 1987 اختار قصيدة من قصائدي الشعرية ، وصاغها لحنا جميلا من نغم ( حجاز كار ) وأستشارني ، ان كنت أوافق على قيام مطربة صاعدة وقتها ( اتحفظ على اسمها ) لغناء اللحن .؟ فلما رفضت الطرح لعدم أهلية الصوت المذكور لأداء لحن جميل ومتكامل مثل ذلك اللحن ، اذعن لرأيي ولم يبد أي انزعاج أوتذمر ، وبقي ذلك اللحن الجميل طي الأرشيف، وكان أن بدأت احداث غزو الكويت وصار الأمر في عداد المنسيات و المفقودات مع ما فقد من أشيائنا الثمينة في تلك الاحداث . ولكن ظل اللحن المذكور اثيرا عند المرحوم ، وعزيزا عليه ، يغنيه في مجالسه الخاصة ويتفاعل مع كلماته ، وأحيانا يذرف الدمع وهو يغنيه . حبذا لو يبحث نجله ( أتيلا ) عن اللحن في أرشيف والده المرحوم ، لنعيد الحياة اليه ، تخليدا لذكرى انسان كان وسيبقى عزيزا على قلوبنا جميعا ..! —